كيف تعامل الرسول مع من يؤذيه من غير المسلمين، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ومثلاً يُحتذى به في التعامل مع المسلمين أولاً ومع غير المسلمين، كيف لا وهو القائل إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم القدوة، وقد أرسله الله عز وجل ليخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، ولكنه تحمل الكثير من المشاق خلال مسرته لدعوة الناس إلى الإسلام، في هذا المقال سنتعرف على كيفية تعامل الرسول مع من يؤذيه من غير المسلمين.
محتويات
تعامل الرسول مع من يؤذيه من غير المسلمين
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في مختلف مجالات الحياة، كما أنه كان يُضرب بأخلاقه المثل وأمانته وقد أطلق عليه الكفار قبل بداية دعوتهم للإسلام بالصادق الأمين لما تحلى به من الصدق والأمانة والأخلاق في تعاملاته معهم، في الحين ذاته زخرت كتب السنة النبوية بالعديد من القصص التي تبين كيفية تعامل الرسول عليه السلام مع غير المسلمين، ومنها:
تعامل الرسول بالعفو والصفح مع غير المسلمين
- إن من القصص الواردة في تعامل الرسول عليه الصلاة والسلام مع غير المسلمين بالعفو والصفح كثيرة جداً لا سيما مع اليهود كونهم أكثر الناس غدراً منذ عهد النبي عليه السلام إلى يومنا هذا، لذلك تروي القصة أنه أرادت امرأة يهودية قتل الرسول- صلّى الله عليه وسلّم، فأحضرت شاة مسمومة إليه، فأكل منها، ثمّ عَلِم النبيّ أنّها مسمومةٌ، فأحضروا المرأة إليه، واعترفت بذلك، فأراد الصحابة قتلها، إلا أن النبي رفض، وعفا عنها.
- يروي ذلك الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها، فَجِيءَ بهَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَهَا عن ذلكَ؟ فَقالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قالَ: ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ علَى ذَاكِ قالَ: أَوْ قالَ، عَلَيَّ قالَ قالوا: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَما زِلْتُ أَعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).
- وقال في قومه حين أرسل الله إليه ملك الجبال مع جبريل؛ ليأمرَه الرسول بما يشاء: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا).
شاهد أيضاً: حديث الرسول عن الخيل الأدهم واهم صفاته
التعاملات السياسية للرسول مع غير المسلمين
لقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحنكة العسكرية والحكمة السياسية كيف لا وقد علمه ربه، وقد تجلت القصص في السيرة النبوية التي وضحت مدى حنكة النبي عليه السلام في التعامل بأمور السياسة مع القبائل المجاورة له، وعليه إن منها ما يلي:
- بعد هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وما تلاه من قيام الدولة الإسلامية هناك، واجه المسلمون واقعاً يمثله الوجود اليهودي فيها، حيث القبائل اليهودية الثلاث المعروفة هي: بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
- في ذلك الوقت كانوا قوة اقتصادية ودينية لا يمكن إنكارها، ولقد رأى النبي-عليه السلام ضرورة تنظيم العلاقة مع الوجود اليهودي بطريقة تضمن لهم حقوقهم، وتكشف لهم واجباتهم في دولة الإسلام الفتية، وهكذا ظهرت “المدينة المنورة” التي اختتمها النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود بني عوف كشاهد حقيقي ودليل حقيقي على تسامح الإسلام واعترافه بالآخر، وحتى دعوته للتعايش مع غير المسلمين على أسس واضحة، والحفاظ على حقوق الجميع كما يفرض عليهم واجبات.
- وبناء على ذلك، استندت وثيقة المدينة إلى الأسس التالية:
- حرية العقيدة في الإسلام.
- استقلال الذمة المالية.
- التعاون في حماية الوطن حالة الحرب.
- العدل التام.
- المناصحة بالخير والتّعامل بالإحسان.
- وتجدر الإشارة إلى أن المعاهدة حددت أسماء القبائل المختلفة؛ لكي تصبح أمر إلزامي للجميع، حيث ذكرت يهود بني النجار، وبني الحارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني ثعلبة، وبني الأوس.
كيف كان تعامل الرسول مع الرسل والزعماء
اتسمت تعاملات الرسول مع القادة من القبائل الأخرى المجاورة للمسلمين ضمن مجموعة من المبادئ التي تدعم التطور الدبلوماسي، كما كان واضحاً في رسائله إلى الملوك والقادة، وخص كل واحد منهم باحترام وتقدير، وخاطب كل زعيم على أنه قائده، بغض النظر عن خلافهم معه، فأرسل رسالة إلى قيصر روما يدعوه إلى الإسلام، وقد خاطبه بعظيم الروم، وخاطب كسرى بأنه عظيم الفرس، والمقوقس بعظيم القبط، والنجاشي بعظيم الحبشة، لم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، بل كان يكرم الرسُل والوفود، ويُحسن استقبالهم وضيافتهم، ويُخصّص لهم المنازل، وقد أوصى بمعاملتهم بالحُسنى، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ).
شاهد أيضاً: أحاديث الرسول عن معاشرة الزوجة وحقوقها وفضل إكرامها
تعامل الرسول بالبر مع غير المسلمين
كانت علاقة النبي بغير المسلمين في أقصى درجات من السلام والوئام، حيث وصلت إلى مرحلة البر، وإن من القصص التي وردت في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن البر تعامله مع الصبي أو الغلام اليهودي فعلى الرغم من أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- يمثل أعلى سلطة في مدينة المنورة، إلا أنه زاره عندما مرض، ودعاه إلى الإسلام، لذلك اعتنق الإسلام.
- يروي ذلك الإمام البخاريّ قائلاً: (كانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَمَرِضَ، فأتَاهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقالَ له: أسْلِمْ، فَنَظَرَ إلى أبِيهِ وهو عِنْدَهُ فَقالَ له: أطِعْ أبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأسْلَمَ، فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يقولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
وصايا الرسول بأهل الذمة والمعاهدين
تجدر الإشارة بالقول إلى أن المواقف المشرفة للنبي-صلى الله عليه وسلم – مع أهل الذمة كثيرة جداً ومتعددة، أسلفنا سابقاً عرض البعض منها، وعليه إن هذه التعاملات والأخلاق التي يمتثل له الرسول عليه السلام تنبع من المبدأ الثابت والراسخ في الإسلام أن الاختلاف بين المعتقدات الإنسانية يشكل فرصة للحوار للوصول إلى كلمة مشتركة، بعيدا عن العنف والعدوان بلا وجه حق، ومن منطلق فهم سنة الاختلاف بين البشر، سمح الإسلام بالطعام والهدايا لأهل الكتاب، وسمح بالزواج من زوجاتهم، ومن وصايا الرسول بأهل الذمة ما يلي:
- عهد به النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل نجران، أن لهم جوار الله وذمة رسول الله على أموالهم وملتهم، وكان من سنّة النبيّ -عليه السلام- احترام مشهد جنائز موتاهم؛ ففي الحديث الصحيح: (إنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا).
- وقد أوصى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالمُعاهدين، فقال: (ألَا مَن ظلَم مُعاهَدًا أو انتقَصه أو كلَّفه فوق طاقتِهِ أو أخَذ منه شيئًا بغَيرِ طِيبِ نَفْسٍ، فأنا حَجيجُهُ يومَ القِيامةِ).
شاهد أيضاً: صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الأخلاقية والمعنوية مكتوبة
في ختام هذا المقال لقد قمنا بعرض تعامل الرسول مع من يؤذيه من غير المسلمين، حيث جسّد نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام أعظم النماذج والمثل العليا التي يٌحتذى بها في التعامل مع غير المسلمين على شتى الأصعدة، ولقد زخرت كتب السنة النبوية بهذه المواقف، بدورنا قمنا بعرض بعض منها.