تعتبر مناسك الحج من أركان الإسلام الخمسة وأحد أعظم العبادات، وقد وضع الإسلام لها طائفة من الشروط والأحكام الشرعية. فإذا أراد المسلم أن يؤدي هذه الفريضة، فإنه يتعين عليه أن يستوفي شروط معينة، وكذلك تحقيق عوامل يجب توفرها، ومع ذلك، فإن الحج يكون واجبًا مرة واحدة فقط في حياته على المسلم البالغ القادر والمكلف. من خلال موقع أطروحة، سنستعرض حكم الحج بالنسبة لمن عليه دين، وكذلك حكم الاقتراض لأداء فريضة الحج.
محتويات
حكم الحج بالدين
أفاد أهل العلم أن الاستدانة لأداء الحج جائزة في حال كان المدين قادرًا على سداد الدين. في هذه الحالة، يُعتبر الحج سليمًا. لكن الأفضل بالنسبة لمن لا يستطيع سداد الدين هو الابتعاد عن الاقتراض لأداء هذه العبادة. وقد أورد ابن أبو شيبة في كتابه المصنف عن طارق بن عبد الرحمن ما مفاده: “سمعت ابن أبي أوفى يُسأل عن رجل يستقرض ليحج؟ فقال: يسترزق الله، ولا يحج”. كما أشار الشيخ ابن عثيمين إلى أهمية عدم الاستدانة ما دام الحج ليس واجبًا في ظل الظروف الحالية. ينبغي على المؤمن أن يقبل برخصة الله ورحمته، وأن يتجنب الوقوع في الديون، فقد يظل في ذمته إذا لم يتيسر له السداد.
يستطيع المسلم الاقتراض إذا كان لديه القدرة على تسديد الدين عند عودته من الحج، لكن في حال لم يتأكد من قدرته على السداد، فإنه من الأفضل عدم الاقتراض، لأن الحج ليس واجبًا عليه إذا كان غير قادر على تحمل تكاليفه. إذ تُعد الاستطاعة من الشروط الأساسية لوجوب الحج، ومن ضمنها الاستطاعة المالية. والله ورسوله أعلم.[1]
حكم التلبية في الحج والعمرة
حكم الحج بالنسبة للمدين
أفاد العلماء بأنه ينبغي على المسلم المدين الذي ينوي الحج تسوية ديونه قبل القيام بالفريضة. فإذا كانت الديون واجبة السداد فورًا، فإنها تُعَدّ أولى من الحج. فعليه أن يسدد ديونه أولاً، وإذا كان الدين مؤجلًا ويشعر المدين بقدرته على تسديده لاحقًا، فإنه يجوز له أن يؤدي الحج، سواء أذن له الدائن أم لم يأذن. في حال لم يكن متأكدًا من قدرته على سداد الدين في وقته، ينبغي عليه انتظار حلول أجله، وفي حالة استأذن المدين صاحبه، فإن الحج ليس واجبًا عليه، نظرًا لأن مطالب الدائن ستظل قائمة، وفي هذه الحالة يمكن للدائن أن يسمح له بالحج فقط، مما يتطلب منه براءة ذمته قبل التجهيز لأداء الفريضة. والله ورسوله أعلم.[2]
حكم من فاتته صلاة العيد
حج من لم يسدد دينه
فيما يتعلق بموضوع الحج من دون تسديد الديون، ذكر موقع إسلام سؤال وجواب أن المسلم ليس مطلوبًا منه القلق بشأن قبول الأعمال، حيث إن القبول بيد الله سبحانه وتعالى، وإنما يجدر التركيز على صحة الأعمال واستيفاء شروطها. إذا قام الرجل بأداء مناسك الحج وهو مدين للآخرين، فإن حجه صحيح طالما أنه أتم الأركان والشروط المطلوبة. ومع ذلك، يُفضل أن يسدد المسلم ديونه قبل التوجه إلى الحج وأن يُخصص ما ينفقه على الحج لسداد دينه. الاقتراض لن يؤثر على صحة الحج، ولكن يبقى الحج غير واجب على المدين، لأنه لا يمتلك المال الكافي للقيام بالحج، ولأصحاب الدين الحق في منع المدين من أداء العمرة أو الحج قبل سداد ديونه. والله ورسوله أعلم.[3]
خطبة عن الظلم في الأشهر الحرم
حج من عليه دين وفق رأي ابن باز
عندما سُئل الشيخ ابن باز، رحمه الله، عن حكم الحج بالنسبة للرجل المدين، أجاب بنص واضح:[4]
“نعم، يحتسب حجه صحيحًا، ولكنه يجب عليه أن يبدأ بسداد ديونه أولًا. فحقوق العباد مُقدمة على الحج، والحج لا يكون واجبًا إلا عند الاستطاعة. ومن الطبيعي، إذا كان الشخص مدينًا وليس لديه ما يمكنه من سداد الدين، فلا يُلزم بأداء الحج. عليه أن يسدد ديونه إذا كانت واجبة السداد، أما إذا قام بالحج ولم يلتزم بسداد ديونه، فإن حجه صحيح، لكنه ترك ما يجب عليه.”.
حج من عليه دين وفق إسلام ويب
حسب موقع إسلام ويب، فإن الحج لمن عليه دين يكون صحيحًا، وفق الإجماع بين أهل العلم. قال ابن قدامة، رحمه الله، في كتابه المغني: “إذا حج من عليه ديون، فإن حجه صحيح؛ لأنها تتعلق بذمته، ولا يؤثر ذلك على صحة فعله.” كما أوضحت اللجنة الدائمة للإفتاء أن حجة من عليه دين تكون مُعتَبرة أيضًا، وأيضًا افاد الشيخ ابن عثيمين بأن الحج صحيح لكن مع إثم بسبب عدم تسديد ديون العباد.[5]
إذا أحد حج، وش أقول له
حج المدين وفق رأي ابن عثيمين
في فتاوى نور على الدرب، أوضح الشيخ ابن عثيمين حكم قيام المدين بأداء الحج بقوله:[6]
“حج المدين صحيح، لكن الحج لا يجب على من عليه دين إلا بعد سداد دينه، فالله تعالى يقول: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾. لذا، فإن المدين الذي لا يملك مالًا لا يعد من المستطيعين. يجب عليه سداد ديونه أولًا، والأعجب أن بعض الناس يتوجهون لأداء العمرة أو الحج تطوعًا وهم مدينون، وعندما تسألهم يبررون ذلك بارتفاع الدين، وهو عذر غير قويم. أنصح إخواني المدينين بعدم أداء الحج أو العمرة تطوعًا، لأن أداء الواجب يكون أولى من المستحب، بل حتى من لم يؤدِ الفريضة من حج أو عمرة يجب أن يُسدد دينه أولًا، لأن الدين واجبٌ قبل الحج أو العمرة.”.
ما حكم صيام أول يوم عيد
حكم حج المدين وفق عبد الله بن جبرين
ذكر الشيخ عبد الله بن جبرين أن الحكم في هذه المسألة يختلف بين القريب والبعيد من مكة، وكذلك بين الغرماء وحال المدين. فإذا كان المدين قريبًا من مكة، فإن تكاليف الحج تكون أقل، مثل ألف ريال أو نحوها، فهذا المبلغ لن يؤثر كثيرًا على الدين، ولا يُعتبر عائقًا. أما إذا كان المدين من الأماكن البعيدة، فإن تكاليف الحج تُعدّ عبئًا ومن الأفضل سداد الدين. لذا، ينبغي تقديم تسديد الديون على أداء الحج والله ورسوله أعلم.
بهذا، نكون قد توصلنا لنهاية المقال الذي يتناول حكم الحج بالنسبة لمن عليه دين، وقدمنا فيه نظرة شاملة حول ما يتعلق بهذه المسألة وفق فتاوى أهل العلم.